-->

دولة السلاجقة - الجزء الرابع -

اليوم نستكمل واياكم بعون الله الجزء الاخير من سلسلة دولة السلاجقة 



السلاجقة والحروب الصليبية


كان من الطبيعي أن يقوم السلاجقة بالتصدي للحروب الصليبية وحماية العالم الإسلامي من أخطارها، ولكن ذلك لم يحدث بسبب تمزق دولتهم بعد ملكشاه، واشتعال الصراع فيما بينهم للسيطرة على الشام مما أدى إلى إتاحة الفرصة لنجاح الحملة الصليبية الأولى[39].
فقد أكتسح الصليبيون قوات سلاجقة الروم في آسيا الصغرى فاتجهوا إلى نيقية للاستيلاء عليها، وكان قلج أرسلان متغيبًا عن المدينة، وفرض الصليبيون الحصار على المدينة واضطرت الحامية إلى الاستسلام بعد أن عقدت صلحًا سريًا مع البيزنطيين المشتركين مع الصليبيين في الحصار على أن تسليم المدينة مقابل ألا يتعرض أحد للسلب والنهب وذلك في 491هـ/ 1097م.
بعد ذلك استطاع الصليبيين الانتصار على السلاجقة في موقعة دوريليوم تلك الموقعة التي كان لها أثارًا بالغة لأن تلك الهزيمة جعلت السلاجقة يخسرون بعض ما كسبوه خلال أكثر من عشرين عامًا، ورغم هذه الهزيمة إلا أن السلاجقة اكتسبوا احترام الصليبيين بما تحلوا به من شجاعة، وبما اتبعوه من أساليب علمية في فنون الحرب[40].
بعد ذلك تقدم الصليبين إلى أنطاكية وحاصروها حتى استسلمت وفر أميرها السلجوقي باغي سيان، ثم ساروا إلى معرة النعمان –ينتسب إليها الشاعر أبو العلاء المعري– فحاصروها حتى استسلم أهلها فقتلوا منهم الكثير، ثم حدثت مذبحة بيت المقدس التي راح ضحيتها سبعين ألفًا من سكان المدينة.
وقد وقف السلاجقة عاجزين أمام طوفان الصليبيين، فقد كانت أوضاع دولتهم تنتقل من سيء إلى أسوأ، وكانت الخلافة العباسية جسمًا بلا روح، ولم يكن وضع الفاطميين في مصر بأفضل حالاً.
وظل الأمر كذلك حتى ولى السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، عماد الدين زنكي إمارة الموصل والبلاد التابعة لها، فكان ذلك فاتحة خير للمسلمين، حيث استطاع عماد الدين مد نفوذه إلى الجزيرة والشام، وكان أعظم إنجاز حققه هو استرداد مدينة الرها من أيدي الصليبيين 539هـ/ 1114م[41].

مواقف مهمة

- الباطنية والسلاجقة:

الباطنية هي فرقة جعلت الباطل أساسًا لفهم أمور الدين وتلجأ إلى تأويل النصوص، وتضم هذه الفرقة القرامطة والخرمية والإسماعلية والحشاشين، واشتهرت هذه الفرقة بالعديد من محاولات الاغتيالات على مر التاريخ.
وقد ظهرت حركة الباطنية في العصر السلجوقي بصورة أقلقت سلاطين السلاجقة، فقد استطاع زعيمهم الحسن بن الصباح الاستيلاء على قلاع حصينة في فارس، أشهرها قلعة (أَلَموت) بنواحي قزوين التي ظلت معقل الحركة الباطنية لما يقرب قرنين من الزمان.
وقد حاول نظام الملك أن يضع حدًا لنفوذ الباطنية وأمر بمطاردتهم في كل مكان، وأرسل جيشًا للاستيلاء على ألموت ولكنه قتل في رمضان سنة 485هـ/ أكتوبر 1092م ورجح المؤرخون قيام الباطنية بقتله[42].
وقد قام السلاجقة بمحاولات متتالية لتصفية قواعد الباطنية ومحاصرة نشاطهم و نجحت بعض تلك المحاولات وواجه بعضها الفشل.
وكان السلطان ملكشاه أول سلاطين السلاجقة الذين حاولوا مواجهة خطر الباطنية فأرسل إليهم جيشًا بقيادة أرسلان طاسن ولكنه هزم هزيمة منكرة.
وتعتبر الجهود التي قام بها السلطان غياث الدين محمد بن ملكشاه ضد الباطنية أخطر ما واجهته هذه الحركة في عهد السلاجقة، ففي سنة 500هـ/ 1107م توجه السلطان محمود بنفسه إلى أصبهان لحرب الباطنية الذين كانوا يعتصمون بقلعة (شاهدز) المنيعة بزعامة أحمد بن عبد الملك بن عطاش وقد نجح السلطان محمد في الاستيلاء على هذه القلعة وقتل زعيمها ابن عطاش وكثيرًا من الباطنية في ذي القعدة 500هـ/ يونيو 1107م.
وفي عهد السلطان معز الدين سنجر (511-552/ 1117-1157) قتل الباطنية وزيره معين الملك أبا نصر أحمد بن الفضل سنة (521هـ/1127م) وأدرك السلطان مدى خطورتهم، فاتبع معم سياسة المهادنة[43].

ورغم وفاة زعيم الباطنية الحسن بن الصباح سنة 518هـ/ 1124م فإن السلاجقة لم يستطيعوا استرداد قلعة ألموت منهم، فظلت تحت سيطرتهم حتى استولى عليها المغول سنة 654هـ/1256م، ولم ينحصر نشاط الإسماعيلية الباطنية في عهد السلاجقة في بلاد فارس بل امتد إلى الشام وكانت له أثاره المدمرة، وأتسع نشاطهم في حلب في عهد أميرها السلجوقي رضوان بن تتش بن ألب أرسلان (488-507/1095-1131م) وحينما تصدى لهم أمير دمشق تاج الملوك بوري بن طغتكين سنة (523هـ/1129م) وقتل منهم آلافًا تربصوا به وهاجموه سنة (525هـ/ 1131م) وجرحوه جراحات خطيرة توفي متأثرًا بها في العام التالي.
وقد أثرت المتاعب التي أثارها الباطنية في وجه السلاجقة في قدرتهم على القيام بدور أكثر إيجابية في التعامل مع الصليبيين[44].

أشهر علماء الدولة السلجوقية


- أبو إسحاق الشيرازي:

وهو من أشهر علماء المدارس النظامية وكان إمامًا في الفقه والأصول والحديث وفنون كثيرة ومن شعره:
أحب الكأس من غير المدام *** وألهو بالحساب بلا حرام
وما حبي لفاحشة ولكن *** رأيت الحب أخلاق الكرام
وقال:
سألت الناس عن خل وفي *** فقالوا: ما إلى هذا سبيل
تمسك إن ظفرت بود حر *** فإن الحر في الدنيا قليل
وقال:
ولو أني جعلت أمير جيش *** لما قاتلت إلا بالسؤال
لأن الناس ينهزمون منه *** وقد ثبتوا لأطراف العوالي
وقد امتدحه الشعراء في حياته، ومنهم عاصم بن الحسن حيث قال فيه:
تراه من الذكاء نحيف جسم *** عليه من توقده دليل
إذا كان الفتى ضخم المعاني *** فليس يضيره الجسم النحيل[45]

- الإمام الغزالي:


من أشهر علماء المدارس النظامية وكان له العديد من المؤلفات منها على سبيل المثال لا الحصر:
- المنخول في أصول الفقه
- الوجيز
- مآخذ الخلاف
- ميزان العقل
- تهافت الفلاسفة
- إحياء علوم الدين
- المنقذ من الضلال
- المستصفى في علم الأصول[46]

- عبد الملك الجويني:


يعتبر أيضًا من أشهر علماء العصر السلجوقي وكان له الكثير من المؤلفات منها:
ما هو في العقيدة:
- لمع الأدلة في قواعد أهل السنة
- الشامل في أصول الدين
- شفاء الغليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل
- رسالة في أصول الدين
- كتاب النفس
- مدارك العقول
وكان له مؤلفات في الفقه مثل:
- نهاية المطلب في دولة المذهب
- مختصر النهاية
- البرهان في أصول الفقه
- التلخيص في أًول الفقه[47]

أسباب سقوط دولة السلاجقة؟


لقد تضافرت عدة عوامل كانت سببًا في سقوط السلطنة السلجوقية منها: 
- الصراع داخل البيت السلجوقي بين الأخوة والأعمام والأبناء والأحفاد.
- تدخل النساء في شئون الحكم
- إذكاء نار الفتنة بين الحكام السلاجقة من قبل بعض الأمراء والوزراء والأتابك.
- ضعف الخلفاء العباسيين أمام القوة العسكرية السلجوقية، فلم يتورعوا عن الاعتراف بشرعية كل من يجلس على عرش السلطنة السلجوقية والخطبة لكل منتصر قوي.
- عجز الدولة السلجوقية عن توحيد بلاد الشام ومصر والعراق تحت راية الخلافة العباسية.
- الانقسام الداخلي بين السلاجقة والذي وصل إلى الصدام العسكري مما أنهك قوة السلاجقة حتى انهارت سلطتهم في العراق.
- المكر الباطني الخبيث بالدولة السلجوقية، وتمثل في حملات التصفية المستمرة لاغتيال سلاطين السلاجقة وزعمائهم وقادتهم.
- الغزو الصليبي القادم من وراء البحار وصراع الدولة السلجوقية مع هذه الجحافل القادمة من أوربا[48].


_______________________________________________

المصادر

 محمد قباني: الدولة العباسية من الميلاد إلى السقوط ص115- 116.


 د/ علي محمد الصلابي: دولة السلاجقة ص 464- 465.

 محمد قباني: الدولة العباسية من الميلاد إلى السقوط ص116.

 محمد قباني: الدولة العباسية من الميلاد إلى السقوط ص117.

 السابق نفسه ص 117- 118.

 محمد قباني: الدولة العباسية من الميلاد إلى السقوط ص118.

 د/ علي محمد الصلابي: دولة السلاجقة ص 346.

 د/ علي محمد الصلابي: دولة السلاجقة ص362-363.

 السابق نفسه ص 355.

 د/ علي محمد الصلابي: دولة السلاجقة ص 175-176.

_______________________________________________

دولة السلاجقة - الجزء الرابع -

No comments:



Contact Form

Name

Email *

Message *