-->

فرنسا تدخل المستنقع السوري؟



تذهب العلاقات بين أنقرة-باريس إلى تصعيدٍ هو الأول من نوعه، على خلفية تعهد فرنسا بمساعدة الأكراد في الشمال السوري؛ الأمر الذي تنظر إليه تركيا على أنه يشكل تهديداً لأمنها القومي، إضافةً لكونه دعماً للإرهاب الذي تمثله قوات سورية الديمقراطية، التي يهيمن عليها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية، ما دعا نائب رئيس الوزراء التركي، بكر بوزداج، يوم الجمعة 30 آذار/مارس الجاري، للقول بأنّ هذا: قد يجعل من فرنسا هدفاً لتركيا.
التصعيد التركي يأتي على خلفية اللقاء الذي جمع بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مع وفد من قوات سوريا الديمقراطية الخميس الفائت، وتقديمه تطمينات لهم بشأن دعم بلاده للاستقرار في شمال سوريا.
ما يزيد التأكيد أنّ تركيا غير مستعدة للتفريط بأمنها القومي، هو اللهجة الواضحة التي خرجت على لسان المسؤولين الأتراك، بما فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أكد في تصريحٍ له بأنّ: ((فرنسا تبنت نهجاً خاطئاً تماماً في سوريا))، وهذا يندرج في سياق الرد على ما صدر أيضاً عن الرئاسة الفرنسية التي صرّحت بأنّ: ((فرنسا يمكن أن تزيد من مشاركتها العسكرية في التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي يقاتل، بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، تنظيم داعش في سوريا)).
فرنسا التي بقيت بعيدة عن واقع الثورة السورية حتى وقتٍ قريب، رغم أنها أول من نادى بتأسيس ما يسمى ” مجموعة أصدقاء سوريا” بمبادرة من الرئيس الفرنسي السابق “نيكولا ساركوزي” عام 2012، دون أن تقدم خطوةً جادة أو ملموسة على الأرض، ليصبح عنوان حضورها هذه المرة مستهجناً مع كونه موضع جدل واستفزاز للسوريين قبل الأتراك، ويصب لصالح الانفصاليين الأكراد.
من المؤكد أن باريس لم تدخل في مستنقع الصراع الكردي-التركي، دون ضوءٍ أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحاول الانسحاب على ما يبدو من المأزق الذي أدخلها حالة التوتر مع تركيا، بطريقة دبلوماسية تقوم على مبدأ الزج بالفرنسيين في وحل المواجهة، بالتالي نحن أمام مسرحية تبادل الأدوار، ضمن السيناريو الذي تسعى واشنطن إلى كتابته.
فرنسا كانت حاولت الدخول على خط الاشتباك بين الأكراد والأتراك، تحت ذريعة الوساطة التي عرضها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورفضتها أنقرة في حينها على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن.

الموقف التركي بدا حاسماً وواضحاً بالنسبة لمسألة الانفصاليين الأكراد، وهي ترفض قطعاً أي شكل من أشكال التدخل الخارجي، تحت أي ذريعة، لا سيما وهي تعتبره يصب في خدمة منظمة إرهابية.
تركيا منسجمة مع نفسها، وتطلعات الشارع -داخلياً-والذي يرفض بالضرورة المس بسلامة الدولة ووحدة أراضيها وحدودها؛ ما يجعل موقفها قوياً على الأرض، ودفاعها مهما بلغ مشروعاً.
مما لا شك فيه أنّ فرنسا تدخل الملعب السوري بطريقة غير مدروسة هذه المرة، بعد التزامها وضع المزهرية خلال السنوات الماضية، فيما عدا تبنيها نهج التصريح الكلامي الانتقادي عديم الجدوى بالنسبة للثورة السورية.
لكن لا توجد مؤشرات واضحة لدخولها في صدام عسكري على الأرض مع الجانب التركي، فهو أمر مستبعد، ولعل المرجح في نهاية المطاف استغلال المسألة الكردية، كورقة ضغط على أنقرة، كما فعلت واشنطن من قبل.الخاسر الوحيد في هذه اللعبة، هم الأكراد، للأسف الشديد، بعد أن باتوا يتنقلون بين غرفة داعمٍ إلى آخر، كالراقص على حبل السيرك يكاد يسقط على رأسه.
أمّا باريس فمن غير المعقول أن تضحي بشريكٍ بحجم “أنقرة” وأهميتها في المنطقة، لصالح مجموعاتٍ منهارة أو توشك على الانهيار أخلاقياً وعسكرياً.

المصدر : الأيام السورية؛ فرات الشامي

فرنسا تدخل المستنقع السوري؟

No comments:



Contact Form

Name

Email *

Message *