خطاب البغدادي.. حضرت السعودية وتركيا وغابت إيران وإسرائيل
بعد قرابة عام من الغياب عن الخطابة التي تمنح قوة معنوية شاحنة لأنصاره، ولا تخلو من تهديدات لمن يصفهم بـ"الصليبيين"، و"الصفويين"، و"المرتدين"، وتوزيع "الكفر" على من يشاء من جماعات ودول، خرج زعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي، بتسجيل جديد شديد اللهجة، وهجوم شنَّه على كل من السعودية، وتركيا، والإخوان المسلمين، محذراً جنوده من الاختلاف على أمرائهم، ومقراً بمقتل قيادات بارزة للتنظيم.
يأتي خطاب البغدادي الجديد في فترة هي الأضعف للتنظيم منذ ظهوره في الموصل للمرة الأولى صيف عام 2014، فقد سجَّلت مناطق سيطرة التنظيم خلال الأشهر الأخيرة خسائر فادحة من قوات متعددة الأهداف بسوريا والعراق، اجتمعت على ضرورة القضاء على التنظيم.
ومع استمرار القوات العراقية في استعادة مناطق يسيطر عليها التنظيم في محافظة نينوى شمالي العراق، واقترابها من مركزها في مدينة الموصل، بدا خطاب البغدادي المقيم في المدينة نفسها معترفاً بتراجع وهروب لعناصره، حين طالبهم بعدم الانسحاب من معركة الموصل، داعياً أهل السنة إلى دعم تنظيمه.
وفي التسجيل الصوتي الذي نشرته مؤسسة الفرقان التابعة للتنظيم، يحذر البغدادي مقاتلي التنظيم من الانسحاب أو الهرب من معركة الموصل، وذلك بعد أن تداول كثير من المصادر من داخل المدينة أنباءً عن هروب جماعي للتنظيم وقياداته، وتهريب لعوائلهم من مناطق دخول القوات العراقية، ودعوة التنظيم لشباب المدينة عبر مكبرات الصوت في المساجد إلى الجهاد دفاعاً عن مدينتهم، حسبما أكدت مصادر من داخل الموصل لـ "الخليج أونلاين".
لماذا ثلاثية تركيا والإخوان والسعودية؟
في وقت تشن فيه أكثر من 60 دولة مشتركة في التحالف الدولي غارات ضد مواقع التنظيم، وتتجحفل قوات عراقية ملغمة بالتوغل الإيراني عبر مليشيا الحشد الشعبي الرافعة للشعارات الطائفة، وقوات البيشمركة الكردية، التي اعتبرت أكثر قوات دحرت التنظيم وحققت نتائج ملموسة منذ انطلاق معركة الموصل، شنّ البغدادي هجومه على تركيا والسعودية والإخوان المسلمين، واعتبرهم "مرتدين"، و"رأس حربة مسمومة يحملها الصليبيون".
وعلى الرغم من استمرار الجدل بين أنقرة وبغداد حول مشاركة تركيا في معركة الموصل، وعدم قدرتها على المشاركة إلا بعدد من القذائف من المناطق القريبة من معسكر بعشيقة الذي تتمركز فيه، تُشكّل "جدّية" تركيا في أي مشاركة عسكرية تخوضها قلقاً للتنظيم من خسارة مناطق نفوذه.
تجيب تركيا بنفسها على هجوم البغدادي، بتصريح سابق لنائب رئيس الوزراء التركي، ويسي قايناق، الذي علّق على تحرير جرابلس بأنه "إنجاز في 15 يوماً لم تنجزه قوات التحالف الدولي في 4 سنوات بسوريا"، ما يجعلها أخطر على التنظيم من أي قوة أخرى.
وفي محاولة لإبعاد تركيا عن مناطق "الدولة" التي تتقلص يوماً بعد يوم، طلب البغدادي، واسمه الحقيقي إبراهيم السامرائي، من مقاتلي تنظيم الدولة أن يطلقوا "نار غضبهم" على القوات التركية التي تقاتلهم في سوريا، ونقل المعركة إلى تركيا.
يفرّق البغدادي إذن بين حالة تنظيمه أمام القوات التركية وبين حالته أمام غيرها، وهو ما بدا في خطابه العام الماضي، وتحديداً في ديسمبر/كانون الأول 2015، حين طمأن أتباعه بأن الضربات الجوية التي تنفّذها روسيا والتحالف الذي تقوده أمريكا فشل في إضعاف التنظيم في سوريا، حتى إنه اعترف بعدم "تعثر الخلافة" بمقتل بعض كبار قادة تنظيم الدولة، وعلى رأسهم أبو محمد العدناني، وأبو محمد الفرقان، اللذان قتلا في وقت سابق من العام الجاري في ضربات جوية أمريكية.
ويرتبط ذكر تركيا والإخوان لدى البغدادي بمقدار التنسيق بين فصائل الجيش الحر التي يصنّفها التنظيم على أنها "إخوانية مرتدة"، وتركيا التي تمكّنت بدعمها "الحر" من تحرير دابق، أهم مناطق التنظيم، خلال أقل من 24 ساعة، وقبلها جرابلس، كما يُطرح اسمها بقوة للمشاركة في عملية قريبة في الرقة، أبرز معاقل التنظيم بعد الموصل.
كما تحتضن تركيا جماعة الإخوان المسلمين - فرع سوريا، وتُشكل أبرز داعمي الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة.
ولا يذكر دعم تركيا لفصائل المعارضة السورية إلا ويذكر معه الدعم السعودي والقطري عبر تركيا لنفس القوات، التي تحقق انتصارات بوجه النظام السوري، إضافة إلى تنظيم "الدولة"، حيث دعا البغدادي في كلمته إلى شن هجمات في السعودية، واستهداف قوات الأمن، ومسؤولي الحكومة، وأعضاء العائلة الحاكمة، ووسائل الإعلام.
أين إيران وإسرائيل في خطاب البغدادي؟
استغرب عدد من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي من غياب ذكر إيران في خطاب البغدادي؛ فالحكومة العراقية تعتبر قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، مستشاراً لها، وتشارك مليشيات إيرانية متسرّبة بين مليشيا الحشد الشعبي، وحتى قوات الجيش العراقي، في القتال، في حين تتكرر التحذيرات من انتهاكات قد تتسبب بها تلك المليشيات في حال دخولها مدينة الموصل.
وفي حديث مع "الخليج أونلاين"، رأى الباحث والمحلل السياسي في مركز "سيتا" التركي، والقريب من دائرة صنع القرار في البلاد، رمضان يلديريم، أن خطاب البغدادي وتهديداته لتركيا تعكس بأنه يقول "إن العراق ليس لي، إيران تملك العراق، اذهبوا وتحاوروا معها"، رافضاً في الوقت نفسه الرد على تهديدات البغدادي، التي اعتبرها "ليست ذات أهمية".
كما غاب عن البغدادي ذكر الكيان الصهيوني، الذي يعيش أفضل مراحله "أمنياً" منذ سيطرة تنظيم "الدولة" على مساحات واسعة من العراق وسوريا، وجذبه أنظار العالم بعمليات وحشية تفوّقت على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، ما جعله يصعّد من حملات تهويد الأقصى، وسط صمت "الخلافة وجنودها".
No comments: