دولة السلاجقة - الجزء الاول -
نبدأ معاكم بعون الله سلسلة دولة السلاجقة التي تتألف من اربع أجزاء
الدولة السلجوقية هي إحدى الدول السُّنِّية القوية التي قامت في إيران والعراق وسوريا وآسيا الصغرى.
وتُنسب هذه الدولة إلى سلجوق زعيم عشائر الغُزّ التركمانية، التي هاجرت واستقرت في بُخارى.
استولى أحد أحفاد سلجوق وهو (طُغْرُلبك) على إقليم خراسان سنة 429هـ/ 1037م. ولما ضعف البويهيون في بغداد وكان قد اشتد ظلمهم للخلفاء، استنجد الخليفة العباسي القائم بأمر الله بالسلطان السلجوقي طغرلبك لإنقاذه من البويهيين؛ فانتهز السلطان هذه الفرصة، وسار بجيوشه إلى بغداد، ودخلها في عام 447هـ/ 1055م، واعترف الخليفة به سلطانًا على جميع المناطق التي تحت يده، وأمر بأن يُذكر اسمه في الخطبة.
واستطاع طغرلبك أن يقضي على تمرد أخيه (إبراهيم ينال)، وثورة البساسيري الشيعي، وأن يعيد الأمن والاستقرار إلى بلاد الرافدين.
ظلت العلاقة الطيبة قائمة بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية ما يقارب ثمانية عشر عامًا، لكن سرعان ما نشب الخلاف بين الطرفين؛ بسبب محاولة طغرلبك الاستئثار بجميع السلطات في العراق حتى تلك المتعلقة بالخليفة، إضافةً إلى أنه حمل موارد العراق المالية إلى الخزانة السلجوقية.
وبعد وفاة طغرلبك استطاع خليفته ألب أرسلان أن يوسّع نفوذه على حساب الدولة الفاطمية، فانتزع منها حلب ثم مكة والمدينة، وتقدم إلى بلاد الروم وانتصر عليهم في معركة ملاذكرد، وضم إليه شطرًا من بلادهم في آسيا الصغرى.
وقد حافظ ملكشاه على ما تركه أبوه ألب أرسلان، واستطاع القضاء على الثورات التي حدثت في بداية عهده، ونشر العدل والأمن والطمأنينة في البلاد. وكان مما يميز ملكشاه أنه كان مولعًا بالفلك، وشجع دراسة العلوم الدينية والعقلية بمعونة وزيره المشهور (نظام الملك) الذي أسس المدرستين العظميتين اللتين تعرفان باسمه في بغداد ونيسابور.
وبعد وفاة السلطان ملكشاه سنة 485هـ/ 1092م، تفككت الدولة السلجوقية وبدأت عوامل الضعف والانهيار تدب في أوصالها؛ وذلك لتنافس الأمراء على عرش السلطنة، فضعفت بالتالي سيطرة الدولة على مختلف أقاليمها، مما جعلها عاجزةً عن التصدي للحملات الصليبية. هذا إضافةً إلى الحركة الباطنية التي أعاقت جهاد السلاجقة، وعملت على التصفية المستمرة باغتيال سلاطين السلاجقة وزعمائهم وقادتهم.
كان من مآثر السلاجقة تمسكهم الشديد بالإسلام، وميلهم القويّ إلى أهل السُّنة والجماعة. ووصل المسلمون في عهدهم إلى درجة عظيمة من التقدم في كثير من علوم الحضارة، وازدهرت في عهدهم الفنون بجميع أنواعها.
قصة الدولة السلجوقية
ينحدر السلاجقة من قبيلة قنق التركمانية، وتمثل مع ثلاث وعشرين قبيلة أخرى مجموعة القبائل التركمانية المعروفة بالغز وفي منطقة ما وراء النهر _ تركستان حاليًا- استوطنت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أو الأتراك, ثم تحركت هذه القبائل في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي بالانتقال من موطنها الأصلي نحو آسيا الصغرى .
ينتسب السلاجقة إلى جدهم دقاق الذي كان وأفراد قبيلته في خدمة أحد ملوك الترك يعرف باسم بيغو، وكان دقاق في هذه المرحلة من تاريخ السلاجقة مقدم الأتراك، وكان سلجوق بن دقاق في خدمة بيغو كما كان والده من قبل حيث كان يشغل وظيفة مقدم الجيش، في هذا الوقت كانت مظاهر التقدم وعلامات القيادة بدت واضحة عليه، حتى أن زوجة الملك أخذت تثير مخاوف زوجها منه لما رأت من حب الناس له وانصياعهم إليه، إلى الحد الذي أغرته بقتله، وما أن عرف سلجوق بذلك حتى أخذ أتباعه ومن أطاعه وتوجه إلى دار الإسلام وأقام بنواحي جند- قريبًا من نهر سيحون- وفيها أعلن سلجوق إسلامه وأخذ يشن غاراته على الكفار الترك .
بعد وفاة سلجوق في جند، خلف عددًا من الأولاد ساروا على سياسة والدهم في شن الغارات على الترك الوثنين وبذلوا جهودًا كبيرة في حماية السكان المسلمين، فازدادت قواتهم وتوسعت أراضيهم وقد أكسبهم ذلك كله احترام الحكام المسلمين المجاورين لهم، فقد غزا ميكائيل بن سلجوق بعض بلاد الكفار من الترك فقاتل حتى استشهد في سبيل الله .
ترك ميكائيل من الأولاد بيغو، وطغرلبك، وشغري بك داود، فدانت لهم عشائرهم بالطاعة، ثم يمموا شطر بخارى، فخشى أميرها خطرهم، فأساء جوارهم وأراد الإيقاع بهم، فالتجئوا إلى بعراخان ملك تركستان واحتموا به، واستقر الأمر بين طغرلبك وأخيه داود على ألا يجتمعا عند بغراخان حتى لا يحيط مكره السيئ بهم، وقد برهنت الأيام على بعد نظر السلاجقة فقد حال بغراخان دون اجتماع هذين الأخوين عنده فلم يوفق، فاحتال على أسر طغرلبك وتم له ما أراد، فثارت ثائرة داود وقصد بغراخان في عشائره ليخلص أخاه وأحل الهزيمة بجنده، وأطلق أخاه وعاد إلى جند وبقوا هنالك حتى زالت الدولة السامانية .
ولما ملك إيلك خان بخارى عظم نفوذ أرسلان بن سلجوق – عم داود وطغرلبك – الذي سار إلى أذربيجان، ولكنه لم يلبث أن أسر وحبس، وقد دارت بين السلاجقة والغزنويين في عهد مسعود – ابن يمين الدولة محمود الغرنوي- معارك طاحنة في عهد مسعود، انتهت بإقطاع دهستان لداود، ونسا لطغرلبك، وفراوة لبيغو، ولقب كل منهم بلقب دهقان، وبعث إليهم بالخلع، ولكن هؤلاء الأخوة من عشيرة السلاجقة لم يطمئنوا إلى دعوة السلطان مسعود، وأخذوا يخادعونه بإظهار الطاعة له، وطلبوا إليه أن يطلق عمهم أرسلان (بن سلجوق) ولكن هذا الصلح لم يتم وأنشغل مسعود ببلاد الهند .
طغرلبك
هو السلطان أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق التركي الملقب بطغرلبك، ذلك الرجل الذي أنقذ الله عز وجل به الخلافة العباسية من السقوط للأبد وأنقذ الله به أهل السنة من الضياع في براثن التشيع, وأنشأ دولة هي أعظم الدول التي ظهرت في الإسلام هذه الدولة سيطرت على معظم أملاك المسلمين وكانت دولة سنية تحب الحق وإظهار العدل والشرع, هذه قصة رجل أعاد لمقام الخلافة هيبتها ومكانتها بعد أن ضاعت على يد المفسدين وملوك دولة بني بويه الشيعية.
كان طغرلبك كريمًا إلى حد كبير فقد روى المؤرخون أن أخاه إبراهيم ينال أسر بعض ملوك الروم فافتدى نفسه بأربعمائة ألف دينار، فأبى إبراهيم وحمله إلى السلطان طغرلبك، فأرسل إمبراطور الروم إلى الأمير نصر الدولة بن مروان يطلب وساطته عند طغرلبك في إطلاق سراحه، فما كان من طغرلبك إلا أن قام وأطلق سراح هذا الرومي وأرسله دون أن يأخذ منه فداء، وقد قدر الإمبراطور هذا الصنيع وعبر عن إعجابه به وتقديره إياه، ورد مع رسوله إلى طغرلبك الكثير من الهدايا .
بعد ذلك وفي سنة 429هـ/ 1037م استولى طغرلبك على مرو حاضرة خراسان وذكر اسمه في خطبة الجمعة بلقب ملك الملوك، وفي شهر شعبان سنة 429هـ التقى جيش طغرلبك بجيش الغزنوبيين عند باب مدينة سرخس وانتصر عليهم انتصارًا حاسمًا وشتت شملهم وطاردهم في كل مكان وغنم أموالهم، فكانت هذه الموقعة كما يقول ابن الأثير: "هي التي ملك السلجوقيون بعدها خراسان ودخلوا قصبات البلاد" وفي هذا الشهر استولى طغرلبك على نيسابور وأقيمت له الخطبة على منابرها وذكر اسمه مقرونًا بلقب السلطان الأعظم، واستقر بدار الإمارة وجلس للمظالم يومين في الأسبوع على ما جرت به العادة في هذه البلاد .
وفي سنة 433هـ / 1041-1042م استولى السلاجقة بقيادة طغرلبك عل بلاد الديلم وكرمان، وانتقل السلاجقة في فتوحهم من نصر إلى نصر حتى جاءت سنة 438هـ التي حاصر فيها طغرلبك مدينة أصبهان وصالحه صاحبه على مال يؤديه إليه وعلى أن يقيم له الخطبة بأصبهان، وفي السنة التالية عقد الصلح بين أبي كاليجار البويهي والسلطان طغرلبك السلجوقي وحدث بينهم مصاهره .
هكذا قامت دولة السلاجقة العظام في خراسان وفارس، وأضحت جيوشهم على أهبة الاستعداد لدخول العراق وذلك لإنقاذ الخلافة العباسية من سيطرة البويهين الشيعة.
الوضع الداخلي في بغداد عشية زحف السلاجقة باتجاه الغرب
كانت الأسرة البويهية الشيعية تسيطر على العراق قبل قدوم السلاجقة حيث أسس البويهيون في فارس والعراق والأهواز وكرمان والري وهمذان وأصفهان إمارات وراثية أدت إلى إيجاد نوع من الاستقرار السياسي في دولة الخلافة العباسية، وقد سيطر البويهيون على مقاليد الأمور، وتصرفوا بشكل مطلق لكن هذا الاستقرار كانت تشوبه بعض الاضطرابات الناتجة عن النزاعات المذهبية بفعل تشيع الأسرة البويهية.
كان الوضع الداخلي في بغداد مزعزعًا تشوبه حالة من الفوضى وعدم الاستقرار مما ساعد على تعبيد الطريق أمام مهمة دخول السلاجقة إليها وضم العراق إلى دولتهم التي أسسوها في خراسان وإيران، وذلك بفعل الخلافات الأسرية داخل البيت البويهي، إذ قامت النزاعات والتنافسات بين الأمراء البويهيين من جهة وبينهم وبين الجند من جهة أخرى، كما انتشرت الفتن بين الجند، بالإضافة إلى رغبة السلاجقة في إنقاذ الدولة العباسية السنية.
ففي عام 424هـ/ 1033م ظهر التنافس واضحًا بين جلال الدولة البيويهي وبين ابن أخيه أبي كاليجار، وخطب لهذا الأخير في بغداد، وغدت المدينة مسرحًا للشغب والمنازعات المذهبية والأسرية.
ولما توفى جلال الدولة في عام 435هـ/1044م لم يتمكن ابنه الملك العزيز من الاحتفاظ بالحكم طويلاً، مما دفع أبو كاليجار إلى تثبيت أقدامه في الحكم، واستقر في بغداد في عام 436هـ/ 1045م.
نتيجة لهذا التنافس الأسري، وبفعل ثورات الجند المستمرة فقد الأمن في بغداد، وقد شعر الخليفة العباسي بهذا التفكك والانحلال، ورأى أن الدولة البويهية عاجزة عن إقرار الأمور في العراق .
_______________________________________________
المصادر
د/علي محمد الصلابي: دولة السلاجقة ص19.
السابق نفسه ص21.
حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام 4/ 8-10.
السابق نفسه 4/10.
السابق نفسه 4/24.
حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام4/10.
السابق نفسه 4/11.
محمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة العباسية ص223.
د/ محمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة العباسية ص238- 239.
السابق نفسه ص21.
حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام 4/ 8-10.
السابق نفسه 4/10.
السابق نفسه 4/24.
حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام4/10.
السابق نفسه 4/11.
محمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة العباسية ص223.
د/ محمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة العباسية ص238- 239.
_______________________________________________
ليست هناك تعليقات: