ماذا يفعل معتقلو النظام السوري في يومهم كي يبقوا على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة؟
اصدرت «منظمة العفو الدولية» تقريرها حول الأمور التي يفعلها معتقلو النظام السوري في السجون؛ وذلك حتى يبقوا أحياءً لفترةٍ أطول خلال مدة الاعتقال؛ سوء كانت أيامًا أو أسابيع أو شهورًا، أو حتى سنوات. ويأتي تقرير المنظمة ضمن سلسلة من التقارير ضمن إطار حملتها لكشف ما يحدث داخل سجون النظام السوري من تعذيب.
وتعمل منظمة العفو الدولية على توثيق حالات التعذيب، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل معتقلات وسجون النظام السوري، عن طريق إجراء مقابلات ولقاءات مع معتقلين سابقين في هذه السجون، فضلًا عن متابعة الأرقام والإحصاءات التي تصدرها المراكز أو المراصد الحقوقية السورية، أو حتى التي تصدرها الحكومة أو النظام السوري.
وتشير الإحصاءات التي أصدرتها المنظمة في تقريرها إلى أرقام خطيرة؛ حيث إن هناك ما يزيد عن 17 ألف معتقل ماتوا داخل سجون النظام السوري؛ نتيجة التعذيب والإهمال، وذلك منذ مارس (آذار) عام 2011 فقط، وحتى الآن. وتشير المنظمة إلى أن هذا العدد هو عدد تقريبي، وأن العدد الحقيقي هو أكبر من ذلك بكثير.
وأيضًا تشير الإحصاءات التي أصدرتها المنظمة إلى أن هناك ما يزيد عن 65 ألف شخص اُعتقلوا عن طريق النظام السوري، ثم بعد ذلك تم الإعلان عن فقدانهم، وما زالوا مفقودين ومختفين قسريًا إلى الآن، فضلًا عن تشريد ونزوح حوالي 11 مليون شخص من الأراضي السورية؛ بسبب النزاعات المسلحة هناك إلى الآن.
عندما دخلت المعتقل لم أر أشخاصًا، بل رأيت ديدانًا تتلوَّى فوق بعضها البعض. حينها لم أستطع أن أقف على كلتا القدمين؛ فلم يكن هناك مساحة كافية. * أحد المعتقلين سابقًا في سجون النظام السوري.
ويأتي تقرير المنظمة في إطار ثمانية أشياء وتدابير – لا يتخيلها أحد – كان يفعلها ويتخذها المعتقلون من أجل البقاء على قيد الحياة داخل السجون، حصلت عليها المنظمة نتيجة إجراء مقابلات مع عدد من المعتقلين السابقين في هذه السجون.
1- عدم الكشف عن حالتهم الطبية
إن كانت لديك أي نوع من أنواع الحساسية، أو الأمراض المزمنة، أو حتى أي مرض آخر، فعليك أن تصمت، وألا تبلغ أحدًا إذا سألك عن ذلك؛ إذ يحكي أحد المعتقلين السابقين في سجون النظام السوري أنه في أول يوم له في المعتقل عندما حدثت له ما يسمى بحفل «الترحاب»؛ وهو عبارة عن الضرب والتعذيب اللذين يتلقاهما المعتقل فور وصوله السجن (المعتقل) للمرة الأولى، فيحكي أن عددًا من الضباط سألوا الشخص الذي كان أمامه عما إن كان يعاني من أي أمراض أو لا، فرد قائلًا: إنه يعاني من مشكلات في التنفس، وأنه يعاني من الربو. حينها أكد الحارس أنه هذا المعتقل حالة خاصة، نظرًا لما يعانيه، ولكنه سرعان ما تجمَّع الحراس حوله وبدأوا بضربه في كل مكان إلى أن سقط جثةً بلا قيام، حينها عندما جاء الدور على شاهد العيان – قاص هذه الحكاية لمنظمة العفو الدولية – وسأله الحارس نفس السؤال، عما إذا كان يعاني من أي أمراض، فأكد أنه في صحة وسلامة، ولا يعاني من أي أمراض على الإطلاق.
2- الحياد
نعم، الحياد. هذا ما أكدته إحدى المعتقلات السابقات في سجون النظام السوري؛ إذ قالت: إن الحراس كانوا يخرجون المعتقلات الفتيات؛ ليجلسوهن ليشاهدن المعتقلين الذكور أثناء تعذيبهم وضربهم، وذلك لمدة ساعة يوميًا؛ حيث كانوا يُضربون ويُعذبون بالخراطيم البلاستيكية والمصنوعة من السليكون، بالإضافة إلى القضبان الحديدية، والتي يوجد في نهايتها عدد من المسامير.
تحكي المعتقلة أنها بكت في المرة الأولى عندما شاهدت ذلك، ثم بكت في المرة الثانية، والثالثة، إلى أن ضربها الحراس. حينها تعلمت أن تبقى محايدة طوال ساعة التعذيب التي تشاهدها، بل ظلت تردد في داخلها: إن هذا ليس حقيقيًا، بل هو أحد أفلام الرعب التي تشاهدها على التلفاز، وأنه سينتهي خلال خمسين دقيقة، فعليها الصبر.
ظللت أردد في داخلي أن هذا ليس حقيقيًا، بل إن هذا التعذيب الذي أراه هو فيلم رعب سينتهي خلال خمسين دقيقة. * إحدى المعتقلات السابقات في سجون النظام السوري التي أجبرها حُرَّاس النظام على مشاهدة تعذيب المعتقلين الذكور يوميًا لمدة ساعة.
3- البقاء دافئًا
يكون الجو في الشتاء داخل المعتقلات السورية باردًا جدًا. ولذلك كان على أولئك المعتقلين أن يبقوا دافئين لفترةٍ أطول؛ وذلك حتى يشعروا بألمٍ أقل مما سيشعرون به في حالة كون درجة حرارة أجسامهم باردة. ولذلك كانوا يتشاركون في البطانيات معًا، بل إنهم كانوا يلفونها حولهم؛ حتى تحفظ الحرارة. كما أنهم كانوا يرتدون أي ملابس كانت لهم، أو حتى الملابس التي كانوا يرتدونها وقت اعتقالهم، وبالتالي إن تم اعتقالك في فصل الصيف بملابس الصيف، فستقع في الكثير من المشاكل عندما يأتي الشتاء.
4- المعتقلون كلهم عائلة واحدة
يؤكد أحد المعتقلين السابقين في سجون نظام بشَّار الأسد أن المعتقلين بالداخل يصبحون مع الوقت عائلةً واحدة: حيث إنهم يصبحون مثل الإخوة وأكثر؛ نظرًا لما يقابلونه ويواجهونه سويًا. فإن كانوا خارج المعتقل فما اتفقوا أبدًا، هذا ما أكده قاص هذه الحكاية، الذي أكد أن بعض الأفراد داخل المعتقل ربما كانوا يكرهون بعضهم البعض خارجه، ولكنهم في حالة تشاركهم نفس المأساة، فإنهم يواجهون نفس المصير معًا؛ فهم كالعائلة؛ فتجد العلماني والإسلامي، كما لو كانا أقرب الأصدقاء لبعضهم البعض على مدار سنوات. ويحكي أيضًا هذا الشاهد أنهم بالداخل كانوا يتشاركون كل شيء، بل إنهم كانوا يساعدون أي فرد منهم حينما تنتابه موجة من البكاء، أو أن تتملكه حالة من العصبية أو فقدان العقل.
5- النسيان
أبطأ اللحظات مرورًا في المعتقل هي التي تفكر فيها في عائلتك وأصدقائك. هذا ما أكده أحد المعتقلين السابقين الذي وصف لحظات تفكيرك في أهلك وعائلتك، كلحظات «توقُّف الزمن»، ولكن مع الوقت عليك أن تنسى، ومع الوقت أيضًا ستعتاد النسيان. ويحكي هذا المعتقل أنه فقد جميع ذكرياته في الداخل؛ حتى يستطيع أن يعيش لفترة أطول داخل المعتقل؛ فنسي أهله وعائلته، ثم أصدقاءه. نسي وجوههم، ونسي أيام الجامعة، ونسي تقريبًا كل شخص، وكل شيء عرفه خلال السنوات السابقة. نسي كل شيء، ولم يتذكر سوى وجه أمه كما كان عندما كان صغيرًا
6- عليك أن تأكل كل شيء تقابله
في السجون السورية، عليك أن تأكل أي شئ يمكن أكله. فيحكي أحد المعتقلين السابقين أنه عندما دخل المعتقل للمرة الأولى حصل على علبة بها عدد من البرتقالات والخيار، فبدأ بتقشير البرتقال ليرمي قشرته، ولكنه فوجئ بأن المعتقلين الآخرين يسرعون لالتقاط هذه القشور وأكلها. يحكي هذا المعتقل السابق أنه كان يظن أنهم يفعلون ذلك ربما لأن قشرة البرتقال لها طعم لذيذ، ولكن كان ذلك من الجوع! حيث إنهم لاحقًا اعتادوا على أكل كل شئ. الأمر الذي وصل إلى أكلهم قشر البيض! فكانوا يضعون الأرز على الحساء وقشر البرتقال وقشر البيض في رغيف من العيش ويأكلونها. ويحكي هذا المعتقل أن هذا الخليط كان طعمه سيئًا للغاية، ولكنه كان يساعدك للبقاء على قيد الحياة.
كنا نضع الأرز والحساء وقشر البيض وقشر البرتقال في رغيف واحد ونأكلهم. كان ذلك سيئًا للغاية، ولكنه كان يساعدك في البقاء على قيد الحياة. * أحد المعتقلين السابقين يحكي تجربته مع الجوع في سجون النظام السوري.
7- تبادل الأدوار في التعذيب
كان الحراس يطلبون من كل زنزانة أن ترسل خمسة أفراد يوميًا لتعذيبهم. ولذلك كانت تقوم كل زنزانة بترتيب أفرادها؛ ليتناوبوا ويتبادلوا الأدوار في التعذيب. ويحكي أحد المعتقلين السابقين أن زنزانته اختارت فريقًا من 20 معتقل من الأشداء، ليسوا من الفتية، ولا من الشيوخ، بل فقط من الشباب. وكان ثلاثة منهم يتطوعون للذهاب كل يوم تقريبًا بالإضافة إلى آخرين
و يحكي هذا المعتقل أنه كان يريد الذهاب للتعذيب بدلًا من آخرين، وذلك بسبب كونه توقف عن القلق، وتوقف عن الشعور بالألم، وعن الشعور بأي شيء بشكل عام، ولذلك أراد أن يذهب حتى يصرخ ويصرخ، ليتأكد أنه ما زال إنسانًا. ومن بعد هذه المرة بدأ يشعر بكل شيء من جديد.
تطوعت للتعذيب بدلًا من آخرين؛ لأنني كنت قد فقدت الشعور بالألم، أردت أن أصرخ من التعذيب؛ لأتأكد أنني ما زلت إنسانًا. * أحد معتقلي النظام السابقين.
8- تبادل الطعام
ومنذ أن أصبح المعتقلون أسرةً واحدةً، فكان طبيعيًا أن يتشاركوا الطعام. فعلى الرغم من أن الطعام قليلٌ جدًا، وكونك تتخير طعامك يعني هلاكك تقريبًا، إلا أن هناك مجموعة من المعتقلين قرروا أن يتطوعوا جميعًا بعرض أكلهم لمن هو أكثر جوعًا منهم. أي أن اثنين جياع اليوم، فليأكلوا هما، ويتبرع الباقي بحصته في الطعام لهم؛ طالما أن هؤلاء الاثنين يعانون أكثر من البقية، وهكذا
وتعمل منظمة العفو الدولية على توثيق حالات التعذيب، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل معتقلات وسجون النظام السوري، عن طريق إجراء مقابلات ولقاءات مع معتقلين سابقين في هذه السجون، فضلًا عن متابعة الأرقام والإحصاءات التي تصدرها المراكز أو المراصد الحقوقية السورية، أو حتى التي تصدرها الحكومة أو النظام السوري.
وتشير الإحصاءات التي أصدرتها المنظمة في تقريرها إلى أرقام خطيرة؛ حيث إن هناك ما يزيد عن 17 ألف معتقل ماتوا داخل سجون النظام السوري؛ نتيجة التعذيب والإهمال، وذلك منذ مارس (آذار) عام 2011 فقط، وحتى الآن. وتشير المنظمة إلى أن هذا العدد هو عدد تقريبي، وأن العدد الحقيقي هو أكبر من ذلك بكثير.
وأيضًا تشير الإحصاءات التي أصدرتها المنظمة إلى أن هناك ما يزيد عن 65 ألف شخص اُعتقلوا عن طريق النظام السوري، ثم بعد ذلك تم الإعلان عن فقدانهم، وما زالوا مفقودين ومختفين قسريًا إلى الآن، فضلًا عن تشريد ونزوح حوالي 11 مليون شخص من الأراضي السورية؛ بسبب النزاعات المسلحة هناك إلى الآن.
عندما دخلت المعتقل لم أر أشخاصًا، بل رأيت ديدانًا تتلوَّى فوق بعضها البعض. حينها لم أستطع أن أقف على كلتا القدمين؛ فلم يكن هناك مساحة كافية. * أحد المعتقلين سابقًا في سجون النظام السوري.
ويأتي تقرير المنظمة في إطار ثمانية أشياء وتدابير – لا يتخيلها أحد – كان يفعلها ويتخذها المعتقلون من أجل البقاء على قيد الحياة داخل السجون، حصلت عليها المنظمة نتيجة إجراء مقابلات مع عدد من المعتقلين السابقين في هذه السجون.
1- عدم الكشف عن حالتهم الطبية
إن كانت لديك أي نوع من أنواع الحساسية، أو الأمراض المزمنة، أو حتى أي مرض آخر، فعليك أن تصمت، وألا تبلغ أحدًا إذا سألك عن ذلك؛ إذ يحكي أحد المعتقلين السابقين في سجون النظام السوري أنه في أول يوم له في المعتقل عندما حدثت له ما يسمى بحفل «الترحاب»؛ وهو عبارة عن الضرب والتعذيب اللذين يتلقاهما المعتقل فور وصوله السجن (المعتقل) للمرة الأولى، فيحكي أن عددًا من الضباط سألوا الشخص الذي كان أمامه عما إن كان يعاني من أي أمراض أو لا، فرد قائلًا: إنه يعاني من مشكلات في التنفس، وأنه يعاني من الربو. حينها أكد الحارس أنه هذا المعتقل حالة خاصة، نظرًا لما يعانيه، ولكنه سرعان ما تجمَّع الحراس حوله وبدأوا بضربه في كل مكان إلى أن سقط جثةً بلا قيام، حينها عندما جاء الدور على شاهد العيان – قاص هذه الحكاية لمنظمة العفو الدولية – وسأله الحارس نفس السؤال، عما إذا كان يعاني من أي أمراض، فأكد أنه في صحة وسلامة، ولا يعاني من أي أمراض على الإطلاق.
نعم، الحياد. هذا ما أكدته إحدى المعتقلات السابقات في سجون النظام السوري؛ إذ قالت: إن الحراس كانوا يخرجون المعتقلات الفتيات؛ ليجلسوهن ليشاهدن المعتقلين الذكور أثناء تعذيبهم وضربهم، وذلك لمدة ساعة يوميًا؛ حيث كانوا يُضربون ويُعذبون بالخراطيم البلاستيكية والمصنوعة من السليكون، بالإضافة إلى القضبان الحديدية، والتي يوجد في نهايتها عدد من المسامير.
تحكي المعتقلة أنها بكت في المرة الأولى عندما شاهدت ذلك، ثم بكت في المرة الثانية، والثالثة، إلى أن ضربها الحراس. حينها تعلمت أن تبقى محايدة طوال ساعة التعذيب التي تشاهدها، بل ظلت تردد في داخلها: إن هذا ليس حقيقيًا، بل هو أحد أفلام الرعب التي تشاهدها على التلفاز، وأنه سينتهي خلال خمسين دقيقة، فعليها الصبر.
ظللت أردد في داخلي أن هذا ليس حقيقيًا، بل إن هذا التعذيب الذي أراه هو فيلم رعب سينتهي خلال خمسين دقيقة. * إحدى المعتقلات السابقات في سجون النظام السوري التي أجبرها حُرَّاس النظام على مشاهدة تعذيب المعتقلين الذكور يوميًا لمدة ساعة.
3- البقاء دافئًا
يكون الجو في الشتاء داخل المعتقلات السورية باردًا جدًا. ولذلك كان على أولئك المعتقلين أن يبقوا دافئين لفترةٍ أطول؛ وذلك حتى يشعروا بألمٍ أقل مما سيشعرون به في حالة كون درجة حرارة أجسامهم باردة. ولذلك كانوا يتشاركون في البطانيات معًا، بل إنهم كانوا يلفونها حولهم؛ حتى تحفظ الحرارة. كما أنهم كانوا يرتدون أي ملابس كانت لهم، أو حتى الملابس التي كانوا يرتدونها وقت اعتقالهم، وبالتالي إن تم اعتقالك في فصل الصيف بملابس الصيف، فستقع في الكثير من المشاكل عندما يأتي الشتاء.
4- المعتقلون كلهم عائلة واحدة
يؤكد أحد المعتقلين السابقين في سجون نظام بشَّار الأسد أن المعتقلين بالداخل يصبحون مع الوقت عائلةً واحدة: حيث إنهم يصبحون مثل الإخوة وأكثر؛ نظرًا لما يقابلونه ويواجهونه سويًا. فإن كانوا خارج المعتقل فما اتفقوا أبدًا، هذا ما أكده قاص هذه الحكاية، الذي أكد أن بعض الأفراد داخل المعتقل ربما كانوا يكرهون بعضهم البعض خارجه، ولكنهم في حالة تشاركهم نفس المأساة، فإنهم يواجهون نفس المصير معًا؛ فهم كالعائلة؛ فتجد العلماني والإسلامي، كما لو كانا أقرب الأصدقاء لبعضهم البعض على مدار سنوات. ويحكي أيضًا هذا الشاهد أنهم بالداخل كانوا يتشاركون كل شيء، بل إنهم كانوا يساعدون أي فرد منهم حينما تنتابه موجة من البكاء، أو أن تتملكه حالة من العصبية أو فقدان العقل.
5- النسيان
أبطأ اللحظات مرورًا في المعتقل هي التي تفكر فيها في عائلتك وأصدقائك. هذا ما أكده أحد المعتقلين السابقين الذي وصف لحظات تفكيرك في أهلك وعائلتك، كلحظات «توقُّف الزمن»، ولكن مع الوقت عليك أن تنسى، ومع الوقت أيضًا ستعتاد النسيان. ويحكي هذا المعتقل أنه فقد جميع ذكرياته في الداخل؛ حتى يستطيع أن يعيش لفترة أطول داخل المعتقل؛ فنسي أهله وعائلته، ثم أصدقاءه. نسي وجوههم، ونسي أيام الجامعة، ونسي تقريبًا كل شخص، وكل شيء عرفه خلال السنوات السابقة. نسي كل شيء، ولم يتذكر سوى وجه أمه كما كان عندما كان صغيرًا
6- عليك أن تأكل كل شيء تقابله
في السجون السورية، عليك أن تأكل أي شئ يمكن أكله. فيحكي أحد المعتقلين السابقين أنه عندما دخل المعتقل للمرة الأولى حصل على علبة بها عدد من البرتقالات والخيار، فبدأ بتقشير البرتقال ليرمي قشرته، ولكنه فوجئ بأن المعتقلين الآخرين يسرعون لالتقاط هذه القشور وأكلها. يحكي هذا المعتقل السابق أنه كان يظن أنهم يفعلون ذلك ربما لأن قشرة البرتقال لها طعم لذيذ، ولكن كان ذلك من الجوع! حيث إنهم لاحقًا اعتادوا على أكل كل شئ. الأمر الذي وصل إلى أكلهم قشر البيض! فكانوا يضعون الأرز على الحساء وقشر البرتقال وقشر البيض في رغيف من العيش ويأكلونها. ويحكي هذا المعتقل أن هذا الخليط كان طعمه سيئًا للغاية، ولكنه كان يساعدك للبقاء على قيد الحياة.
كنا نضع الأرز والحساء وقشر البيض وقشر البرتقال في رغيف واحد ونأكلهم. كان ذلك سيئًا للغاية، ولكنه كان يساعدك في البقاء على قيد الحياة. * أحد المعتقلين السابقين يحكي تجربته مع الجوع في سجون النظام السوري.
7- تبادل الأدوار في التعذيب
كان الحراس يطلبون من كل زنزانة أن ترسل خمسة أفراد يوميًا لتعذيبهم. ولذلك كانت تقوم كل زنزانة بترتيب أفرادها؛ ليتناوبوا ويتبادلوا الأدوار في التعذيب. ويحكي أحد المعتقلين السابقين أن زنزانته اختارت فريقًا من 20 معتقل من الأشداء، ليسوا من الفتية، ولا من الشيوخ، بل فقط من الشباب. وكان ثلاثة منهم يتطوعون للذهاب كل يوم تقريبًا بالإضافة إلى آخرين
و يحكي هذا المعتقل أنه كان يريد الذهاب للتعذيب بدلًا من آخرين، وذلك بسبب كونه توقف عن القلق، وتوقف عن الشعور بالألم، وعن الشعور بأي شيء بشكل عام، ولذلك أراد أن يذهب حتى يصرخ ويصرخ، ليتأكد أنه ما زال إنسانًا. ومن بعد هذه المرة بدأ يشعر بكل شيء من جديد.
تطوعت للتعذيب بدلًا من آخرين؛ لأنني كنت قد فقدت الشعور بالألم، أردت أن أصرخ من التعذيب؛ لأتأكد أنني ما زلت إنسانًا. * أحد معتقلي النظام السابقين.
8- تبادل الطعام
ومنذ أن أصبح المعتقلون أسرةً واحدةً، فكان طبيعيًا أن يتشاركوا الطعام. فعلى الرغم من أن الطعام قليلٌ جدًا، وكونك تتخير طعامك يعني هلاكك تقريبًا، إلا أن هناك مجموعة من المعتقلين قرروا أن يتطوعوا جميعًا بعرض أكلهم لمن هو أكثر جوعًا منهم. أي أن اثنين جياع اليوم، فليأكلوا هما، ويتبرع الباقي بحصته في الطعام لهم؛ طالما أن هؤلاء الاثنين يعانون أكثر من البقية، وهكذا
ليست هناك تعليقات: