-->

تاريخ سوريا بالتفصيل ومراحل تغيير الخارطة

سوريا













سوريا القديمة

لقد كان سلوقس الأول خليفة الإسكندر المقدوني أول من سمى آشوريا باسم سوريا الذي يستخدم إلى الآن. ولتفادي اختلاط الأسماء بين سوريا الكبرى وسوريا الصغرى (1920 - الحاضر) سوف نسمي الأخيرة الشام. أما مصطلح سوريا فهو الذي يضم كلاً من العراق والأردن والكويت ولبنان وفلسطين والشام، منوهين إلى أن جزيرة قبرص وبعض المساحات الصغيرة من إيران ومصر وتركيا اليوم كانت أيضاً جزء من سوريا أرضاً وشعباً.


وقد كانت الإمبراطورية الآشورية امتداداً طبيعياً لما سبقها من ممالك سورية كالسومرية والأكادية والبابلية. وعندما نقول امتداداً طبيعياً نعني بأن هذه الممالك والإمبراطوريات كلها خرجت من قبائل وأمم أصلها السامي واحد (أي أنهم لم يأتوا من الخارج) حكموا سوريا على مدى القرون وكانت حدودها تتغير بشكل شبه مستمر.

ومن المثير للانتباه أن اسم آخر مملكة سورية مستقلة ما قبل الميلاد، ألا وهي المملكة الكلدانية (609 ق.م - 537 ق.م)، لم يستخدم لتسمية المنطقة كما حصل مع الممالك السابقة. فعندما وصل الفُرس - أول محتل أجنبي دائم لسوريا - صارت سوريا جزء من الإمبراطورية الفارسية وظل اسمها آشوريا كما كان يسميها الفرس في القرون الماضية. بينما ظل مصطلح "الكلداني" يعود على قوم من الناس ما زالوا موجودين في سوريا. (يعتقد بأن النبي إبراهيم عليه السلام كان كلدانياً).

يتفق العلماء بأن سوريا هي مهد الحضارات حيث أن الزراعة بدأت هناك قبل 12000 سنة، وقد أدت الحضارة السورية إلى إشعال فتيل الحضارات المصرية والفارسية والإغريقية من حولها، بل وكان السوريون أول من اخترع الكتابة وبذلك بدأ عندهم تسجيل التاريخ. وملحمة جيلجاميش هي أقدم المخطوطات التي اكتشفت على وجه الأرض، وقد وجدت في سوريا.

ومن كل اللغات السامية التي استخدمت عبر العصور الغابرة كانت لغة الآراميين الأكثر انتشاراً واستخداماً لأنها مبنية على حروف أبجدية تطورت عن لغة جيرانهم الكنعانيين، حتى صارت اللغة المحكية بين كل السوريين من كنعانيين وحطيين وآشوريين وكلدانيين وآموريين وإسرائيليين وبابليين الخ، منذ السنة الألف قبل الميلاد وحتى وقت متأخر من القرن السادس عشر، إذ أن اللغة العربية (حفيدة الآرامية) كانت قد بدأت تحل مكانها تدريجياً.


سوريا الفارسية


من أوائل المستوطنين الأجانب في سوريا الميديون الآريون (من إيران)، وقد شكلوا حلفاً مع السوريين الكلدانيين ودمروا الإمبراطورية الآشورية سنة 610 ق.م، إلا أن حكمهم لم يطل. بعد بضعة عقود وصل الفرس الأخمينيون بقيادة كورش الكبير حيث أقام أعظم إمبراطورية عرفها التاريخ القديم، وصارت سوريا جزء من الإمبراطورية الأخمينية سنة 531 ق.م.
كما وأن كورش الكبير أعطى السوريين حكماً ذاتياً في أرضهم التي سماها آشوريا، وكانت عاصمتها دمشق.
امتدت إمبراطورية كورش الفارسية من مصر واليونان غرباً إلى الحدود الصينية شرقاً، وظل الفرس مسيطرين على مراكز الحضارات الأربع إلى أن انتصر جيش الإسكندر المقدوني (الإسكندر الكبير) على الفرس وأخرجهم من سوريا سنة 333 ق.م. 


سوريا اليونانية


ولكن وبسبب التمرد السوري في كل أنحاء سوريا وبدون توقف، قررت بريطانيا في آذار من سنة 1921 تقسيم فلسطين إلى جزئين، غرب النهر ليكون دولة لليهود الصهاينة، ودولة شرق النهر لتكون "منطقة عازلة" لحماية الكيان الصهيوني القادم، فتشكل شرق نهر الأردن ما سمي "بمنطقة الشرق العربي" مقتطعة من فلسطين ثم مد تشرتشل حدودها ليكون لها عمقاً استراتيجياً في العراق شرقاً ثم إلى الجنوب لإيقاف المد السعودي الكاسح. هذه المنطقة العازلة (باللون البرتقالي على الخريطة المرفقة) سميت فيما بعد بإمارة الأردن، لأن تشرتشل قد وعد أميرها عبدالله الأول بأن هذا التقسيم مؤقت وبأنه سيأتي اليوم الذي يخرج فيه الفرنسيون من الشام ولبنان وبهذا يبسط عبدالله نفوذه عليهما ليصبح ملك بلاد الشام (والتي تكون إمارة الأردن جزء منها)، ويكون أخوه فيصل ملكاً على العراق. ولكن عندما تبين بأن الهاشميين لن يبسطوا سلطانهم على الشام بعد أن أجلي الفرنسيون منها، قرر عبدالله الأول أن يجعل الأردن مملكة مستقلة، وألغي النشيد الوطني السوري في الأردن واستبدل بالسلام الملكي (كما سنوضح لاحقاً). أما فلسطين فبقيت تحت الانتداب البريطاني إلى أن أصبحت جاهزة لإنشاء الدولة اليهودية عام 1948.
بعد وفاة الإسكندر المقدوني (والمعروف في القرآن بذي القرنين) تكسرت إمبراطوريته إلى مناطق حكم كل منها أحد قواد جيشه، وهكذا خضعت سوريا للقائد سلوقس الأول والذي نصب نفسه ملكاً على آشوريا وكان أول من سماها سوريا (أي أن لفظة سوريا أصلها يوناني). وفي سنة 307 ق.م. نقل سلوقس عاصمة سوريا من مدينة بابل إلى مدينته التي بناها باسمه، سلوقية (وصارت تعرف فيما بعد باسم "المدائن"). وفي سنة 300 ق.م بنى سلوقس مدينة أنطاكيا (شمال غرب سوريا)، نسبة إلى اسم أبيه أنطيوخوس، وجعلها عاصمته الجديدة.

وكانت المملكة السلوقية في عزها تحتل أراضٍ شاسعة صارت اليوم تركيا وإيران وأفغانستان وشمال الهند. إلا أن الفرس استطاعوا أن ينشؤوا مملكة جديدة في الشرق السوري سنة 140 ق.م وقاموا باحتلال الأراضي الشرقية من المملكة السلوقية بما فيها ما يسمى اليوم بالعراق.

وظلت المملكة السلوقية تزداد ضعفاً إلى أن أجهز عليها الأرمنيون سنة 69 ق.م وصارت سوريا جزء من المملكة الأرمنية، إلا أن تلك المملكة لم يطل عهدها حيث أن الروم كانوا قد وسعوا إمبراطوريتهم لتضم أرمينيا وسوريا إليها سنة 64 ق.م. 


سوريا الرومانية




منذ أن وصل الروم إلى سوريا لم تتوقف حروبهم ومطاحناتهم مع الفرس طوال فترة مكوثهم في سوريا (أي لمدة 700 عام). وكانت غالبية هذا التصادم بين الإمبراطوريتين يحدث في قلب سوريا حيث أقيمت ممالك صغيرة تابعة للروم غرباً (مثل مملكة تدمر والغساسنة) وللفرس شرقاً (مثل مملكة المناذرة).

وكانت سوريا في عهد الروم ولاية مهمة وذات أثر كبير في تاريخ روما لموقعها الاستراتيجي ولخيرات أرضها الوفيرة. بل إن خمسة من قياصر الروم كانوا سوريين: سيبتيموس سيفيروس (فينيقي ليبي 193-211م)، كاراكلا سيفيروس (198-217م)، غيتا سيفيروس (209-211م)، إيل جبل (من حمص 218-222م)، الإسكندر سيفيروس (من لبنان 222-235م)، وفيليب الأول (من الشهباء 244-249م) جنوب الشام، وكان يسميه الروم فيليب العربي.

وفي عام 330م، قام قيصر الروم آنذاك - قسطنطين الأول - بنقل عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى مدينة تدعى بيزنطة، وسماها روما الجديدة. وبعد مماته سماها خلفاءه بالقسطنطينية تيمناً به. وهكذا بدأت روما الغربية بالتساقط شيئاً فشيئاً وظهور الممالك الأوروبية المستقلة في الغرب، بينما روما الشرقية (والتي صار الغرب يدعوها حديثاً: الإمبراطورية البيزنطية) ازدادت قوة ومتانة.

وفي بداية القرن السابع وصلت الإمبراطورية الساسانية الفارسية إلى ذروتها وقامت باحتلال سوريا ووصلوا إلى مصر، ولكن الروم وبقيادة قيصرها هرقل استطاع أن يهزم الفرس مجدداً بعد بضعة سنين مستعيداً مصر وسوريا تحت المظلة الرومانية الشرقية. ولم يكن يخطر في بال أي رومي أو فارسي بأن إمبراطوريتيهما على وشك الاندحار والفناء على يد قوم لم يحسب لهم أي أحد حساب، ولا في الأحلام! 

سوريا العربية


بعد مضي أكثر من 1200 عام على الاحتلال الأجنبي تحررت سوريا أخيراً من الفرس والروم والإغريق على أيدي جيوش خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص زمن خلافة عمر بن الخطاب (634-644م). وسقطت مدن سوريا واحدة تلو الأخرى في أيدي المسلمين - الأنبار 633، دمشق 635، حمص 636، بعلبك 636، البصرة 636، حلب 637، القدس 638، الكوفة 638، الخ.
من المهم أن نتوقف هنا لنوضح بأن تسمية المسلمين العرب بالفاتحين لسوريا وليس بالغزاة أو المحتلين هو الصواب والأحق تاريخياً للأسباب التالية:
  • إن عرب الحجاز، والذين يدعون أيضاً عرب الشمال، ينحدرون من سلالة النبطيين، تلك القبيلة السورية التي سكنت جنوب سوريا الغربي وكانت عاصمتهم البتراء سنة 312 ق.م. أي أن عرب الحجاز هم في الأصل نبطيون توغلوا في الصحراء جنوباً إلى أن وصلوا مكة ويثرب ليقيموا المزيد من الاستراحات على خط التجارة الصحراوي الأكثر أمناً (حيث أن التجار كانوا يفضلون العبور عبر الحجاز لكي لا يقعوا في التصادم المستمر بين الروم والفرس وأتباعهم).
  • النبطيون أنفسهم هم من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الكلداني، أبو إسحاق وجد يعقوب أبو الأسباط الإسرائيلية الاثني عشر.
  • إذاً القبائل العربية الشمالية هي قبائل سورية كانت قد هاجرت جنوباً في صحراء الحجاز للسيطرة على خط التجارة، ولغتهم العربية ما هي إلا تحور عن اللغة النبطية التي تحورت عن الآرامية.
  • كما أن السوريون ذوو اللسان الآرامي وقتها كانوا قد رحبوا وناصروا العرب لتحرير بلادهم من 1200 عام من الحروب والاحتلال.
  • والدليل الأكبر أنه عندما عادت الروم الغربية بشكلها الجديد (الحروب الصليبية) إلى سوريا في القرن الحادي عشر، دخل السوريون (والذين كان ما زال معظمهم مسيحيون) الإسلام بالجملة لكي يسمح لهم بالانضمام إلى صفوف الجيش الإسلامي لكي يحموا أنفسهم وأراضيهم من المصادرة والتخريب على أيدي الغزاة الصليبيين.
والمسلمون العرب رأوا في سوريا مقومات قيام الدولة، إذ أنهم نقلوا عاصمة دولتهم الإسلامية من مكة المكرمة إلى دمشق في العهد الأموي (661م - 750م)، وكانت الدولة الأموية تمتد من حدود الصين إلى الأندلس. وبعد اندلاع الثورة وإقامة الخلافة العباسية (750م - 1254م) انتقلت عاصمة هذه الإمبراطورية العظيمة من دمشق إلى بغداد.
لقد كان في ذلك العهد إعادة مجد سوريا إلى القمة للمرة الثانية، وسمي هذا العهد بالعصر الذهبي لسوريا والإسلام (700م - 1200م). كان هذا عصر صلاح الدين الأيوبي (1137م - 1193م) وعصر الفلسفة والعلوم والطب والرياضيات والأدب والشعر، عصر ابن حيان والرازي والفارابي والمتنبي والبيروني وعمر الخيام وعباس بن فرناس وابن الهيثم وغيرهم الكثير، عصر التراجم حيث ترجمت أعمال وكتب الإغريق والفرس والهند من لغاتهم إلى اللغة السريانية الآرامية (التي كانت ما زالت متداولة في سوريا) ومن ثم إلى العربية. في ذلك العصر كان الذي يبتغي العلوم والتفوق الإبداعي والهندسة يذهب إلى جامعات بغداد والبصرة ودمشق وحلب. وللمزيد عن هذا الموضوع اقرأ مقالة العصر الإسلامي الذهبي. 


سوريا العثمانية

غزا المغول الإمبراطورية العربية الإسلامية وسقطت الولايات الشرقية في أيديهم واحدة تلو الأخرى وبسرعة رهيبة، وأخيراً سقطت بغداد وتلاها احتلال دمشق وباقي المدن السورية، وكانت تلك الضربة القاضية لسوريا إذ لم يستطع أي سوري أو عربي منذ ذلك الحين إعادة الاستقلال الحقيقي لسوريا، بل ظلت تابعة لدول أخرى، بداية بالمماليك من مصر (جيش إسلامي قوامه عبيد محررين من كل أرجاء أوروبا وآسيا وأفريقيا) والذين هزموا المغول وأخرجوهم من الشام. وكادوا أن يجهزوا على باقي المغول في العراق إلا أنه تصادف ذلك مع وصول موجة جديدة من الصليبيين على شواطئ سوريا الغربية، فانهمك المماليك في قتال الصليبيين وتركوا المغول يستمرون في احتلال العراق وفارس حوالي مائة عام أسلم خلالها ملوك المغول قبل أن تبدأ الحروب المتتابعة بين الجيوش التركية المغولية المتنافسة على الحكم، وانتهى المطاف بانتصار الأتراك العثمانيين انتصاراً كاسحاً وأعلنوا أنفسهم سلطنة ونادوا بالسلطان خليفة للدولة الإسلامية.

وامتدت الإمبراطورية العثمانية من الجزائر غرباً إلى فارس شرقاً، ومن اليمن جنوباً إلى سوريا شمالاً، كما وأنهم ورثوا عن المغول أوروبا الشرقية وكانوا بذلك قد قضوا على الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) بشكل نهائي، وكانت قسطنطينية الحصينة آخر مدينة تسقط في أيديهم بالمدافع من على ظهر السفن المحاصرة لها، وجعلوها عاصمة دولتهم، مغيرين اسمها إلى إسلام-بول في البداية، ثم استنبول (أو كما كان يدعوها العرب "الإستانة"، حيث أن كلمة "بول" تعني "مدينة" باليونانية). وهكذا حكم الأتراك سوريا 400 سنة - من 1517م إلى 1917م.

وعندما تضعضعت السلطنة العثمانية أوائل القرن العشرين بدأت القوى الأوروبية الغربية (التي طورت أساطيلها الحربية بفضل الثورة الصناعية التي بدأت في انجلترا أواخر القرن الثامن عشر) تأكل أطراف السلطنة؛ فاحتل الفرنسيون الجزائر وتونس، واحتلت الإيطاليون ليبيا، واستعمر البريطانيون مصر واليمن الجنوبي والكويت وبعض إمارات الخليج. كما وأن روسيا وحلفائها في البلقان بدؤوا يسترجعون أراضيهم المحتلة في الشمال والغرب في حروب طاحنة مع الأتراك. وعندما قامت الحرب العالمية الأولى، تحالف العثمانيون مع الألمان (كما هو طبيعي ومتوقع كون أن عدوهم واحد) وحاربوا فرنسا وروسيا وبريطانيا. وكان آخر خنجر طعن العثمانيين الطعنة القاضية هو خنجر العرب والإنجليز من الجنوب إبان الثورة العربية الكبرى (1916 إلى 1917) بقيادة بريطانيا. 


سوريا السايكس-بيكو

بعد سقوط الخلافة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى أقدمت بريطانيا وحلفائها على أعظم خيانة في ذاكرة السوريين الحديثة: بدلاً من إعطاء السوريين العرب الاستقلال الموعود جزاء لمساعدتهم الغرب في دحر العثمانيين، تحولت سوريا إلى غنائم حرب تقاسمها حصراً البريطانيون والفرنسيون والصهاينة من اليهود الأوروبيين.
التقسيم الأول
جرى أول تقسيم لسوريا على الورق فيما عرف باتفاقية سايكس-بيكو، بين بريطانيا وفرنسا، والتي تمت يوم 16 أيار 1916، أي قبل بدء الثورة العربية الكبرى بحوالي شهر. وخطة التقسيم هذه أعطت المنطقة "أ" للفرنسيين، كما هو مبين في الخارطة باللون الأزرق، وتشمل لبنان والشام، والمنطقة "ب" للبريطانيين وهي باللون الأحمر، كل ما تبقى من سوريا، أي فلسطين والأردن والكويت والعراق.
ولكن في الواقع كانت الخارطة الأصلية للتقسيم تعطي الفرنسيين إضافة للشام ولبنان النصف الشمالي من العراق (المحاذي للشام)، ولكن قبل تنفيذ الاتفاقية بقليل أجرت بريطانيا تعديلاً لتصبح كل أراضي العراق تحت الانتداب البريطاني بعد أن اكتشفت آباراً للنفط هناك.
وتنفيذاً لهذه الاتفاقية السريّة هاجمت فرنسا شمال سوريا في تموز 1918 واحتلت حصتها المخصصة لها من الأراضي السورية وقسمتها إلى خمس ولايات ومناطق كلها خاضع لدولة سورية فدرالية تحت إمرة الفرنسيين، وصار هذا الجزء من سوريا يدعى الانتداب الفرنسي لسوريا.
التقسيم الثاني
وقد كان البريطانيون قد قاموا بإبرام اتفاقية سريّة أخرى باسم وزير خارجيتهم المعادي للسامية آرثر جيمس بلفور، حين قطع وعداً للمنظمة الصهيونية العالمية عام 1917 بأن تعينها بريطانيا على إقامة دولة يهودية ذات سيادة وحدود على أرض فلسطين. واشتهر هذا الاتفاق فيما بعد باسم وعد بلفور.
ولتحقيق هذا الوعد قامت بريطانيا بتقسيم انتدابها في المنطقة "ب" إلى جزئين: العراق (بالأحمر) وفلسطين (باللون الأصفر على الخارطة المرفقة).
التقسيم الثالث

ولكن وبسبب التمرد السوري في كل أنحاء سوريا وبدون توقف، قررت بريطانيا في آذار من سنة 1921 تقسيم فلسطين إلى جزئين، غرب النهر ليكون دولة لليهود الصهاينة، ودولة شرق النهر لتكون "منطقة عازلة" لحماية الكيان الصهيوني القادم، فتشكل شرق نهر الأردن ما سمي "بمنطقة الشرق العربي" مقتطعة من فلسطين ثم مد تشرتشل حدودها ليكون لها عمقاً استراتيجياً في العراق شرقاً ثم إلى الجنوب لإيقاف المد السعودي الكاسح. هذه المنطقة العازلة (باللون البرتقالي على الخريطة المرفقة) سميت فيما بعد بإمارة الأردن، لأن تشرتشل قد وعد أميرها عبدالله الأول بأن هذا التقسيم مؤقت وبأنه سيأتي اليوم الذي يخرج فيه الفرنسيون من الشام ولبنان وبهذا يبسط عبدالله نفوذه عليهما ليصبح ملك بلاد الشام (والتي تكون إمارة الأردن جزء منها)، ويكون أخوه فيصل ملكاً على العراق. ولكن عندما تبين بأن الهاشميين لن يبسطوا سلطانهم على الشام بعد أن أجلي الفرنسيون منها، قرر عبدالله الأول أن يجعل الأردن مملكة مستقلة، وألغي النشيد الوطني السوري في الأردن واستبدل بالسلام الملكي (كما سنوضح لاحقاً). أما فلسطين فبقيت تحت الانتداب البريطاني إلى أن أصبحت جاهزة لإنشاء الدولة اليهودية عام 1948.
التقسيم الرابع
تم تقسيم الشام إلى فدرالية تحت الحكم الفرنسي ضامة الدول التالية: دولة دمشق، دولة حلب، دولة لبنان، دولة سويداء وجبل الدروز، دولة دير الزور، والمنطقة العلوية. ولكن بعد المقاومة الرهيبة من أبناء سوريا فشل المخطط الفرنسي في تقسيم الشام إذ عادت كلها تحت راية واحدة، ما عدا لبنان (باللون الأخضر على الخارطة). أعطيت لبنان استقلالها سنة 1943، ثلاث سنوات قبل استقلال باقي دويلات الشام، وظل لبنان مستقلاً حتى بعد جلاء الفرنسيين الكامل.
بالإضافة إلى ذلك فقد أبرمت تركيا وفرنسا اتفاقاً سرياً عام 1938 لخلق دويلة أخرى في الشمال الغربي من الشام الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، وهي منطقة لواء الإسكندرون التي تحوي أنطاكيا الخاضعة سابقاً لولاية حلب إبان الحكم العثماني، ثم لدولة حلب تحت الانتداب الفرنسي (وللعلم كانت تركيا قد أقرت حدودها بعد الهزيمة العظمى التي لحقت بها في الحرب العالمية الأولى واعترفت آنذاك بأن لواء الإسكندرون جزء من سوريا). وسميت هذه الدويلة "هتاي" ونصب الفرنسيون عليها حاكماً تركياً، وبعد سنة أقيم استفتاء لسكان هتاي لمعرفة إن كانوا يريدون الانضمام للدولة الشامية السورية أو الدولة التركية، وأظهرت النتائج فوز تركيا، وهكذا اقتطعت من سوريا وصارت جزء من تركيا إلى يومنا هذا، مع أن نسبة السوريين العرب فيها لا تزال تفوق 80%. للمزيد عن لواء الإسكندرون تابع القراءة هنا.
التقسيم الخامس
كان البريطانيون قد استولوا على الكويت (باللون الوردي على الخريطة) من ولاية البصرة العثمانية سراً سنة 1899، ولاحقاً تحول إلى استيلاء علني سنة 1913 بموافقة الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية). أما الهدف الرئيسي لاجتزاء الكويت وسلخها عن الإمبراطورية العثمانية فكان لمنع الألمان من الوصول إلى الخليج الفارسي، إذ كان الألمان والأتراك وقتها يبنون سكة برلين-بغداد الحديدية.
وظلت الكويت محمية بريطانية إلى أن تم الإعلان عن استقلالها عام 1961 ضد رغبات جميع الحكومات العراقية المتعاقبة، بما فيها التي كانت موالية للإنجليز، وظل هذا الرفض العراقي قائماً إلى أن استلم البعثيون الحكم بمساندة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، حين أعلنوا في تشرين الأول لعام 1963 اعترافهم باستقلال دولة الكويت.



يعتقد بعض الناس بأن السوريين لم يشعروا قط على أنهم أمة واحدة، كما يعلل المحللون السياسيون الغربيون بأن سايكس-بيكو قد جمعت طوائف دينية وإثنية متصادمة تمقت بعضها البعض في حدود مفبركة. أما الحدود التي قسمت سوريا فهي مفبركة فعلاً، ولكن السوريين بغالبيتهم العظمى (أكثر من 80% حسب الإحصاءات واستطلاعات الرأي في العشرينات من القرن الماضي) بكل طوائفهم الدينية والعرقية آمنوا بوحدة الأمة السورية إيماناً حقيقياً. ولعل هذا النشيد المنسي يذكرنا بتلك الحقيقة:
النشيد الوطني السوري الأول كما كان ينشد في كل أرجاء سوريا الكبرى قبل 1946م رسمياً
سوريا يا ذات المجدِ ... والعزة في ماضي العهدِ
إن كنت لنا أسمى مهدِ ... فثراكِ لنا أسمى لحدِ
سندافع عنك من القلبِ ... فبِهِ قد جادَ دَمُ العُرُبِ
سوريا يا ذات المجدِ ... والعزة في ماضي العهدِ
إن كنت لنا أسمى مهدِ ... فثراك لنا أسمى لحدِ
سندافع عنك من القلبِ ... فبِهِ قد جاد دم العُرُبِ
اسقينا ماء قد عَذُبَ ... إن كنتِ لنا أمّاً وأبا
اسقينا ماء قد عَذُبَ ... إن كنتِ لنا أمّاً وأبا
من يشرب ماءك لا يأبى ... موتاً إن كنتِ له سببا
من يشرب ماءك لا يأبى ... موتاً إن كنتِ له سببا
سندافع عنك من القلبِ ... فبِهِ قد جاد دم العُرُبِ

 

تاريخ سوريا بالتفصيل ومراحل تغيير الخارطة

ليست هناك تعليقات:



نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *