الأميرة الزاهدة بنت الأكرمين
الأميرة الزاهدة بنت الأكرمين
هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص أحد خلفاء الدولة الأموية وأمها أم المغيرة بنت خالد بن العاص، وأخوتها الخلفاء الثلاثة : الوليد وسليمان ويزيد ، وزوجها الخليفة عمر بن عبد العزيز فهي كما قال الشاعر فيها ::-
بنت الخليفة والخليفة جدها
أخت الخلائف والخليفة زوجها
،
وقد اكتمل عقد فضلها حين أضفت عليه من جواهر العلم ودرره الشيء الكثير فقد حرصت على طلب العلم حتى أصبحت راوية للحديث وقد روى عنها عدد من العلماء والتابعين أمثال عطاء بن أبي رباح المكي التابعي مفتي أهل مكة ومحدثهم وكذلك روى عنها أبو عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري وغيرهما، وحين بلغت فاطمة مبلغ النساء تزوجها ابن عمها عمر بن عبد العزيز الذي تربى في كنف أبيها عبد الملك وتحت عنايته وعاشت فاطمة مع زوجها عمر عيشة مترفة منعمة فقد أصبح عمر والي المدينة ورزقهما الله بابنين اثنين هما إسحاق ويعقوب
ودامت هذه الحياة الهنيئة حتى كان عام تسع وتسعين من الهجرة حين تولى زوجها خلافة الأمة فانقلبت حياته المترفه والمنعمة وأصبح إماما زاهدا تثقل عليه مسئولية الخلافة .
وأصبحت فاطمة بين يوم وليلة زوجة الخليفة الزاهد فوقفت بجواره معينة مخلصة مستشعرة مسئوليتها تجاه زوجها الذي آثر ثواب الآخرة ملتزما في ذلك بالزهد في زينة الدنيا وزخرفها ولم تتردد فاطمة في الإختيار بين زوجها وبين ما يدعوها إليه من حياة جديدة قد تشق عليها .
فقد ذكر أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة قال لامرأته فاطمة ( وكان عندها جواهر أمر لها بها أبوها لم يرى مثلها ) اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال وإما أن تأذني لي في فراقك فإني أكره أن أكون أنا وأنت والجواهر في بيت واحد .
قالت : لا بل أختارك عليها وعلى أضعافها فأمر بها فحملها حتى وضعها في بيت مال المسلمين ، فلما مات عمر واستخلف يزيد قال لفاطمة : إن شئت رددته إليك ، قالت لا والله لا أطيب به نفسا في حياته وأرجع فيه بعد موته .
،
وقد تبعت فاطمة زوجها راضية بهذه العيشة الزهيدة ، أثاث قديم وثياب مرقعة وطعام قليل وهي التي لم تذق طعم هذه الحياة من قبل زواجها ولا من بعده قبل الخلافة .
ويشير إلى بساطة الحياة التي كانت فيها مع زوجها بعد الخلافة أن أعرابية جاءت تريد لقاء الخليفة فدلها الناس على بيته البسيط فطرقته لتفتح لها الباب امرأة امتلأت يداها بالعجين ، فسألتها الأعرابية عن الخليفة عمر بن عبد العزيز فطلبت منها المرأة أن تنتظر للحظات ريثما يأتي الخليفة ، وإذا بجانب حائط البيت رجل يصلح الجدار وقد علقت بقع الطين بيديه وثوبه فنظرت الأعرابية إليه مستغربة من جلوس هذه المرأة التي تعجن العجين أمام هذا الطيان الغريب ولم تتستر منه ، فبادرتها بالسؤال عن هذا الطيان وكيف تجلس أمامه دون أن تستر نفسها ؟ فتجيبها ضاحكة : إنه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وأنا زوجته فاطمة .
وذكر أن غلام عمر دخل يوما على مولاته فاطمة فغدته معها عدسا فقال : كل يوم عدس ؟ قالت : يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين ..
،
كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاحا من فئ المسلمين فجاء ابن له صغير فأخذ منه فوثب إليه عمر وأخذها منه وردها فذهب الطفل إلى أمه باكيا فلما أخبرها الخبر أرسلت بدرهمين فاشترت تفاحا وأطعمته ثم أعطت لعمر منه فقال : من أين هذا ؟
فقصت عليه الخبر فقال : رحمك الله لكأنما انتزعتها من قلبي ولكني كرهت أن أضيع نفسي من الله عز وجل بتفاحة من فئ المسلمين .
،
لما توفي زوجها جاءها الفقهاء يسألونها : أخبرينا كيف كان حال عمر بينكم ؟
قالت : أفعل ولو كان حيا ما فعلت والله ما كان بأكثركم صلاة ولا صياما ولكني والله ما رأيت عبدا قط كان أشد خوفا لله من عمر، والله إن كان ليكون بيني وبينه لحاف فيخطر على قلبه الشيء من أمر الله فينتفض كما ينتفض طائر وقع في الماء ثم يرتفع بكاؤه حتى أقول : والله لتخرجن نفسه فأطرح اللحاف عني وعنه رحمة له وأنا أقول : يا ليتنا كان بيننا وبين هذه الإمارة بعد المشرقين فو الله ما رأينا سرورا منذ دخلنا فيها.
بقلم:محمد منصور
-حكايات من صفحات التاريخ-
...........
...........
ليست هناك تعليقات: